في الوقت الذي يقترب فيه الموعد النهائي المحدد لانسحاب القوات الغربية من أفغانستان، تتعدد الجهود الرامية لفتح حوار مع "طالبان"، هدفه النهائي هو إقناع الحركة بالتحرك نحو التوصل لتسوية من خلال التفاوض مع الحكومة الأفغانية، للحيلولة دون انزلاق البلاد للفوضى، عندما تجد القوات الأفغانية نفسها في مواجهة مع مسلحي "طالبان" عقب انسحاب القوات الغربية من ذلك البلد. خلال الفترة الماضية، كانت الولايات المتحدة على اتصال ببعض زعماء "طالبان" لإقناع الحركة بالجلوس إلى مائدة المفاوضات مع ممثلي الحكومة الأفغانية. ويشار إلى أن واشنطن وكابول قد قامتا- كخطوة أولى في هذا المجال- بدعم الاقتراح الخاص بفتح مكتب للحركة في العاصمة القطرية "الدوحة"، كي يكون مقراً للمفاوضات المقترح إجراؤها بين "المجلس الأعلى للسلام" والممثل المفوض من قبل حركة "طالبان". وفي إشارة واضحة للكيفية التي تحول بها هذا المكتب ليصبح جزءاً من الاستراتيجية المقترحة والمقبولة من قبل الطرفين، تم عقد لقاء ثلاثي بين زعماء أفغانستان وباكستان و"طالبان"، وتم خلاله الاتفاق على العمل للتوصل لصفقة سلام بين "طالبان" والحكومة الأفغانية خلال فترة لا تزيد عن ستة أشهر. والزعماء الثلاثة، هم الرئيس الأفغاني، والباكستاني، ورئيس الوزراء البريطاني قد حثوا، من جانبهم ، "طالبان" على الانضمام لعملية التسوية والمصالحة، كما أعربوا عن دعمهم لافتتاح مكتب للحركة في الدوحة تسهيلًا للجهد الرامي لإقناعها بالانضمام لمباحثات السلام. ليس هناك شك لدى أي أحد أن "طالبان" تمتلك مفتاح ما سيحدث في أفغانستان عقب انسحاب القوات الغربية من هناك، وأن التواصل مع الحركة بالتالي يعد أمراً في غاية الأهمية في الدفع من أجل عملية السلام في أفغانستان. ولكن ذلك لن يكون مهمة سهلة بحال، وليس هناك ضمان أن هذه الاستراتيجية ستنجح في نهاية المطاف. ويشار في هذا السياق إلى أن المحاولات السابقة لتدشين مباحثات السلام مع "طالبان" قد فشلت في الانطلاق في الأساس. وكانت المباحثات قد بدأت رسمياً بين الولايات المتحدة و"طالبان" في شهر يناير عام 2012، ولكن "طالبان" انسحبت من مائدة المفاوضات بعد ذلك التاريخ بثلاثة أشهر، بحجة أن الولايات المتحدة أخفقت في الوفاء بشروطها المتعلقة بعملية السلام. وفي هذه المرة أيضاً، من المتوقع، الدخول في مباحثات صعبة مع "طالبان" التي أبدت حتى الآن عدم رغبة في التعبير عن آرائها بشأن الكيفية التي يمكن أن تدار بها البلاد عقب انسحاب القوات الغربية من أفغانستان. من بين الشروط الغربية لعقد تلك المباحثات أن تتوقف حركة "طالبان" عن العنف، وتقطع كافة روابطها وصلاتها مع "القاعدة"، وتقبل بدستور أفغانستان. ولكن التحدي الأكبر بالطبع هو أنه في الوقت الذي كان الطرفان يتباحثان مع بعضهما بعضاً بشأن أجراء محادثات السلام في الدوحة- بدعم من الولايات المتحدة - كانت القوات الغربية وقوات "طالبان" تخوض معارك ضد بعضها بعضاً داخل أفغانستان. وفي كل يوم تقريباً يقع حادث جديد بين قوات التحالف و"طالبان"، مما يزيد عملية إقناع الطرفين بالجلوس معاً على مائدة المفاوضات صعوبة بشكل يكاد يكون مستمراً. ومن ضمن الحوادث الدالة على استمرار التقاتل بين القوات الغربية والأميركية في أفغانستان – على سبيل المثال-حادث إسقاط طائرة هليوكوبتر أميركية في أفغانستان مؤخراً، الذي أعلن متحدث باسم "طالبان" مسؤولية الحركة عنه. فيما تمضي هذه المباحثات قدماً، تبذل القيادة الأفغانية التي تضع في اعتبارها تخفيض القوات الأميركية وقوات "الناتو" بحلول نهاية عام 2014 قصارى جهدها، للاستعداد لذلك الوقت الذي يتسلم فيه الأفغان مسؤولية إدارة شؤونهم بأنفسهم. وهذا لا يعني فقط تسريع عملية تدريب قوات الأمن الأفغانية، وإنما يعني أيضاً العمل في الآن ذاته على اجتذاب المستثمرين الأجانب للبلاد من خلال التلويح لهم بصفقات مغرية في مجال التعدين، بحيث تصبح الحكومة الأفغانية بعد انسحاب القوات الاميركية وقوات "الناتو" مسؤولة عن الأمن، وقادرة على المحافظة عليه، ولديها في الوقت نفسه اقتصاد نشط تستطيع الاعتماد عليه. ليس هناك سوى خلاف على أنه في حالة نجاح المحادثات مع "طالبان"، فإن ذلك سيعني أن مكونات الانتقال السلمي للأمور في هذا البلد، قد أصبحت جاهزة؛ بيد أن السؤال الكبير الذي سيغدو مطروحاً أمام كرزاي وحلفائه من دول "الناتو" بعد ذلك هو: ما هو نوع الصفقة التي يمكن الوصول إليها مع "طالبان"؟ رغم مزاعم القيادة الأفغانية الحالية أن 75 في المئة من مساحة أفغانستان قد باتت تحت سيطرة قوات الأمن الأفغانية الحكومية، وأن الناس في معظم مناطق البلاد قد أصبحوا أكثر أمناً وأكثر شعوراً بالراحة عن ذي قبل، لأن قوات الشرطة قادرة على التواصل بسلاسة معهم؛ إلا أن الحقيقة هي أن كرزاي وحلفاءه لا يسيطرون سوى على بعض المدن الحضرية الصغيرة المعزولة، في حين تتمتع "طالبان" بقاعدة دعم واسعة في المناطق الريفية التي تشكل الجزء الأكبر من مساحة البلاد. والمشكلة أن الفساد متفش للغاية في المناطق الحضرية التي تسيطر عليها الحكومة، كما أن المواطن الأفغاني العادي الذي يعيش في تلك المناطق يعاني من ظروف حياتية غاية في الصعوبة تصل في كثير من الأحيان إلى درجة البؤس. فوفقاً لتقرير حديث نشرته الأمم المتحدة دفع الأفغان خلال السنة الماضية وحدها ما يقرب من أربعة مليارات دولار أميركي في صورة رشاوى للموظفين الفاسدين، مقابل الحصول على منافع وخدمات كان يجب أن يحصلوا عليها من دون مقابل. وهذه الممارسة (دفع الرشاوى) باتت منتشرة على نطاق واسع ومقبولة لدرجة أن الأفغاني العادي، إذا ما أراد أن يلحق ابنه بمدرسة، أو يدخله مستشفى للعلاج، يجد نفسه مضطراً لدفع رشاوى من أجل ذلك. يمكن القول إذن إنه في الوقت الذي يستعد فيه الحلفاء الغربيون للخروج من أفغانستان، فإن الطريق أمام الأفغان لا يزال طويلًا وشاقاً، ووعراً للغاية بحيث لا يمكن لأي أحد أن يتنبأ بأي قدر من الدقة كيف، وإين سيرسو هذا البلد في خاتمة المطاف.